الأربعاء، 29 أكتوبر 2008

تفرد النوع الإنساني

















الحياة قائمة على التنوع والأحياء قائمة على استقلاليتها النوعية المعبرة عن تفاعلها مع وسط يحتوي وجوده ويعطيه تفرداً في المهمة وتفرداً بالشكل والقابلية وطريقة التعبير عن الغاية إنها ميزات وخصائص ذاتية الفعل قائمة في الطبيعة لتحقيق تواجد تطوري وارتقائي .
فالميزات البشرية بأشكالها التعددية وعلاقتها النوعية مع الوجود قائمة على التفاعل وإحداث المتغيرات وابتكار المهارات والقابليات نظراً لإمكانية صناعة الأدوات القادرة على تحقيق الغاية عززت ظاهرة الابتكار لتفعيل الوجود وتنمية الدور الإنساني في داخله وقدرة الإنسان على التعلم واكتساب الخبرات والمفاهيم وأساليب السلوك المختلفة ميزات النوع الإنساني وأعطته قابلية البقاء .
فاللغة بحد ذاتها أسلوب تفاعلي منسجم مع الوجود الإنساني تعمق التفاعل الوجداني وتحرر الإنسان من القيود الشكلية والصارمة للطبيعة الحية واللغة بحد ذاتها توفر الطريقة لتشكيل تعابير متنوعة ومعبرة عن جميع حالات الوجود المختلفة والسلوك البشري بحد ذاته أسلوب متميز يعبر عن فصل النوع الإنساني عن بقية الكائنات الحية ويأتي التفكير كأسلوب مجرد وصفة متميزة عالية النوعية تساعد الإنسان على كشف ذاته والعالم .
التفرد ظاهرة إدراكية ترافق النوع الإنساني في جميع درجات التطور المرافقة لوعيه وتابعة للوضع الحضاري وصيغة التعبير عن الرقي الإنساني فالإنسان الراقي إنسان كوني متعمق في وجوده ومنسجم مع هذا الوجود فالمجتمع المتعايش معه مجتمع تاريخي تطوري غيّر الخصائص الشخصية للنوع البشري من خلال تتابع النظم القيدية المتكررة وتفاعلاتها المبتكرة بشكل نوعي مطابق لظهور البواعث الخلاقة في الذات البشرية فالتركيز على ضرورة الانقياد والتمركز حول الذات وانغلاقها وتحديد سماتها وطريقة تفاعلاتها أخمد مشاعر الانطلاق في وجودها نحو عالم اللاتعيين في المعرفة الجوهرية للكون .
والإرث الشكلي بمعنى تتابع الأشكال وفق الهيئة النوعية والخصائص البنيوية تعطي الإنسان بنيته الحياتية والحيوية وتكون قادرة على إبقاءه حياً .
فالإمكانيات الإنسانية تنطلق وتتنامى في واقع إنساني مندمج ومتفاعل في وظائفه المختلفة والمتكاملة فالحب والاهتمام قادرين على إعطاء الإنسان قابلية سلوكية وفكرية قابلة للتوسع والإبداع . لأن العلاقة اللغوية والسلوكية في الحياة البشرية قادرة على تأمين السلامة الجسدية والعقلية المنطوية تحت لوائها تنمو وتتعزز من خلال الاختلاط والمعاشرة الذكية . فالحض المستمر على إخراج البواعث الادراكية وتنشيط الفعل العقلي على القيام بأعمال ذهنية مستمرة تعمق بنية الوعي وتكمل مكوناته الجوهرية في إخراج المفاهيم والتفاعل معها وتطوير قدرة المتابعة العقلية وقدرة التذكر والحفظ في واقع الضرورات. فالنمو المكتمل للفرد البشري يعطيه خليطاً معقداً من الدوافع والحوافز والمهارات والعواطف وكل ما يدعم التواجد الاجتماعية ويعطيه قدرة المواجهة المباشرة للمتغيرات البنيوية والمحيطية الطارئة والظاهرة عبر مسيرة الحياة .
فالإنسان ضمن أبعاده الوجودية يمتلك قدرات عامة غير متخصصة ، إنه متخصص في عدم الاختصاص والالتزام في أي نوع من أنواع السلوك والتجربة الفعلية والمعرفية قادر على امتلاك الثقافة وتكسبها عبر الزمن فتراكم عنده الوعي المكثف واتساع ملكات العقل وانطلاقه نحو كل ما هو معقول ولا معقول كما دفع النوع الإنساني إلى ارتقاء أكثر اتساع وابتكار ظاهرة الترميز ذاد الواقع الجمالي والوعي الحسي فأعطتة فعالية نوعية أساسها الغبطة والسرور .
فالمفاهيم الدالة على الترميز والتحديد والحصر تعطي التواجد الإنساني المتنوع الثقافات والبنى الاجتماعية سلوكاً منفرداً في التفاعل مع الواقع المعاش ضمن قواعد صارمة ودقيقة تحدد السلوك وأنواع الطقوس ضمن علاقات داخلية متفق عليها إنها مختلفة في الأداء الاجتماعي لكل كينونة اجتماعية بالرغم من أنها ذات طبيعة واحدة مثال ذلك ( تحريم بعض الأغذية – الطقوس الجنائزية – قواعد الإرث – التقرب من الآله – السلوك الجنسي ) .
فالاعتقاد السائد في الوسط الإنساني والمعبر عن وجوده بعلاقته مع المحيط الخارجي ومع مجال النشوء الحي وهذه العلاقة قائمة على النفعية فكل ما هو موجود خارج الدائرة الإنسانية مخصص لمقتضياتها الذاتية بالرغم من خطورة الموقف المؤدي إلى إتلاف هذه العلاقة لكونها نفعية ومستهترة بقيم الوجود الأخرى .

الخصائص الإنسانية الناتجة عن العقل
الدماغ البشري جهاز قائم بذاته معقد التكوين مترابط ومنسجم مع أجهزة بالغة الدقة غايتها القيام بوظائف مختلفة ومتكاملة قادرة على إعطاء الكائن إمكانية الوجود والاستمرار . فالدماغ قادر على التفكير وتنظيم الحواس وإدماج معطياتها لتكوين واقع معرفي يعطي الإنسان قدرة عالية على التفرد ضمن واقع متنوع البنيان فالمناطق الغير متخصصة في الدماغ تربط الأحداث والمشكلات المتولدة عن الماضي بالوضع الراهن والعلاقات القائمة وتقوم على استخلاص نتائج تهم الحياة في وجودها القائم فالمعرفة التاريخية بكل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية وغيرها تشكل وعياً يعطي الإنسان مجال أوسع للمقارنة بين الحياة السلفية والحياة الحاضرة ليحصل على نتائج تؤدي إلى تنامي الوعي بشكل متزايد وملائم لاتساع الحاجات الإنسانية فالقدرات العقلية الإنسانية متفردة وفذة في استنباط الأحكام والمفاهيم والترقيم وكل الوسائل والآليات المتعلقة بالرقي والتقدم .
فالعقل البشري مخزون معرفي تاريخي ناقل كلي لأفكاره وابتكاراته إلى الأجيال المتلاحقة وهذا ما يدفع العقل إلى التضخم الدائم إنه يكرس المعارف الدائمة ويقوم بتنسيقها فالعلاقة المعرفية بين الأجيال علاقة تتابعية ولكنها متنامية مما يؤكد الوصول للتعارض بين الجديد والقديم فكل عقل
في إطاره الزمني له محتواه المنسجم مع وجوده وبيئته كما يدل على أن لكل عصر أدواته وهذا ما يدفع الوجود الإنساني للتفاعل مع الكينونة أكثر فأكثر .
فالقدرة الدافعة للعقل إلى جهة الاختلاف والتفرد تجعل الوجود الإنساني متنوعاً وبشكل هائل فاللغات المتنوعة للوجود الإنساني هي لغات مفتوحة إنها لغات قادرة على الاستيعاب الدائم لجميع المقتضيات العقلية إنها قابلة للتوسع بمقدار توسع العقل فالعلاقة بينهما تلازمية لأنها تكفل للعقل إمدادا مستمراً من النظم اللغوية القادرة على تعريف جميع مكتشفاته فاللغات المفتوحة والاصطلاحية قادرة على النقل والاختصار والتعابير المضادة الثنائية الطراز .
إن ما يجعل اللغة مفتوحة كونها وسيلة إبداع لأنماط جديدة متنوعة وعديدة ومستمرة ويمكن نقل مفاهيمها الاصطلاحية وتعميمها على كامل الوجود البشري .
بالرغم من تنوع أصواتها والدلائل الناتجة عنها متطابقة في الوعي البشري لأن المدلولات الناتجة عن المعاني مثل ( حيوان – نباح الكلاب – خرير المياه – حفيف الأشجار ) متوحدة بالعقل الإنساني بكل لغاته . فاللغة البشرية قادرة على نقل المعلومات عن أزمان ساحقة وبعيدة عن بعضها البعض ، إنها قادرة على وضع التجربة الإنسانية في تاريخ .
فاللغات الحية تملك خاصية تعبيرية ثنائية الطراز وهي تقابل لفظ حرفين يختلفان في المدلول والمعنى فاللغة العربية مثلاً هناك فرق صوتي بين التاء والطاء والدال والضاد والقاف والكاف والسين والثاء والذال والزين فلا يمكن أن تكون تل مثل طل ودار مثل ضار وسمرة مثل ثمره وقلب مثل كلب...الخ إن ثنائية الطراز اللغوي تزيد عدد الأصوات والكلمات والعبارات بشكل كبير فالاتساع اللغوي ناتج عن الاتساع التفاعلي بين العقل وعالمه الخارجي وهذا الاتساع قابل للتوسع الدائم وبالتالي الازدياد الدائم في المعارف الإنسانية الناتج عن الطاقات الكونية والثقافة الكونية مهما حاول العقل الانغلاق على نفسه فالفاعلية العقلية للعنصر البشري أكسبته اللغة والرمز بشكل يعد كسباً على قدر هائل من الأهمية أعطته مجالاً واسعاً من التفرد النوعي يحقق من خلال عطاءاً هائلاً وذخراً حضارياً متواصلاً إلى أبعد مدى
فالتغيرات الكمية للقدرات البنيوية في الواقع الإنساني سرّعت الوجود نحو نظام منفتح على ذاته والكون وأحدثت خرقاً في محيط النشوء الحي مما يؤكد تساؤلاً مهماً على قدر كبير من الشفافية فإما أن يكون الإنسان هبة كونية إلى هذا العالم أو قدرة انبعاث ذاتية فائقة الإبداع على تخطي الحواجز الحية والطبيعية وغيرها .
فالتمتع بدماغ كبير وانتصاب قامة متناسق أعطته القدرة الضرورية لانتاج وصناعة آلات معقدة ومتطورة وذكية .
فالخصائص العضوية للجسم الإنساني ذات بنية تكاملية ومتكاملة في إعطاء الأدوار والتنسيق بينهما ضمن دائرة الوعي وخارج دائرة الوعي إنها التفاعل بين الإدراك واللا إدراك في تحقيق المتطلبات الجسدية .
فالأيدي قادرة على القيام بالأعمال الماهرة والدقيقة ولا يقتصر الأمر على ذلك فقط بل تقوم بأعمال متنوعة وصعبة بشكل يساعد الإنسان على تخطي محيطه .
فالسيف والرمح والمقلاع إلى ما هنالك من التطور الهائل في صناعة الأسلحة وصولاً إلى أسلحة التدمير الشامل لا يمكن مقارنتها بالأنياب المفترسة والمخالب الحادة فالقدرات الجسدية الضعيفة لو سائل الدفاع الذاتية عند الإنسان تغلب عليها بصناعة أدوات حادة وقذائف مدمرة .
فمن خلال التوصل إلى قدرات فنية وتقنية مبدعة وخارقة ومعقدة الوظائف ساعدت الإنسان على الاكتشاف المتسارع فالنمو المتواصل لمجمل التقنيات والأجهزة الحديثة والبرمجيات وكافة وسائل الاتصال وكل ما سيأتي من جديد في ميادين العلوم المختلفة والتكنولوجيا والاكتشافات على كامل الحقول الكونية ستغير الملامح لعصر الوجود القادم .
في القديم كانت الجماعية في العمل والعيش المشترك تسهم في زيادة القدرات الإنسانية على الابتكار المتعاون والتغلب على مشاكل كانت تحتاج إلى جهود وقدرات جماعية فلأهرامات الفرعونية هي منجزات الواقع الاجتماعي الجمعي .
فقد كان القيام بالأعمال الضخمة يحتاج لتوظيف طاقات بشرية ضخمة مما يجعل العمل شاقاً والحياة بطيئة النمو والتطور .
من جهة أخرى نمت القدرات الإنسانية العالية مع التكيف الطبيعي والغذائي فالواقع الطبيعي وما يفرضه من تلازم القدرات النفسية والجسمية وصعوبة الحياة بشكل يجعل المواجهة قاسية ومتعددة يرافقها ردود أفعال موازية .
فالإنسان القديم كان يواجه مواقف صعبة وخطرة تزيد ضغط الدم والتنفس وإفراز الأدرنالين والتعرق وغيرها أما الإنسان في العصر الراهن فانه يتكيف بصوره معاكسه لجده القديم فانخفاض ضغط الدم وصعوبة التنفس وضعف افراز الادرنالين وزيادة الشحوم وقلة التعرق ناجمة عن التغيير الجاري في نظام الحياة الراهن فالعمل الذهني والجلوس الزائد والمكيفات الصناعية ونظام المواصلات السريعة وتوفر وسائل الإعلام الكونية وغيرها غيرت الأساس التفاعلي والعلاقة بين الإنسان والطبيعة من حوله وسببت له إشكالات ضارة وخطرة على صحته
فعندما فصل الإنسان عن بقية العالم الحي المحيط به أصبح كائناً مغايراً لما يعيش في بيئته واتخذت علاقته مع بقية الأحياء شكلاً عدائياً .
فقد نمت وتطورت مطالبه الغذائية رافقها تطور أساليب التفاعل الاجتماعي .
فالإنتاج الغذائي الناتج عن العمل والزراعة احدث تغير نوعي في بنية الوجود البشري وعلاقته المباشرة مع مجال النشوء الحي . لأن الاعتماد على الزراعة وتدجين الحيوانات وسع رقعة المزارع المحمية وتزايدت أنواع المزروعات كما ازدادت أعداد الحيوانات المدجنة فالحياة الإنسانية توسع المحيط الحيوي اللازم لوجودها .
فالإنتاج الزراعي للغذاء ساهم في الاستقرار وتجميع الناس في قرى ومدن فتعمقت التجارب وطورت المفاهيم اللازمة لنشوء الأنظمة .
فقد امتلك الإنسان القدرة على إنتاج الثقافة المساعدة على تخطي الحدود التي فرضتها البيئة وخرج نظام الخضوع إلى التوازن البيئي . فالحاجة المتزايدة للعمل الزراعي سرعت إنتاج المواليد بكثرة لأهميتهم في مجال العمل الزراعي إضافة لكون العمل الزراعي وتربية الحيوانات أسهمت في تكاثر أنواع جديدة من الأحياء ناقلة للأمراض كالبراغيث والقوارض والبعوض والطيور ويمكن أن يكون السل انتقل عن طريقها إضافة إلى أمراض نقص الفيتامينات والبروتين فالعلاقة بين الإنسان والحياة الزراعية مبنية في أساسها على الشقاء .
وإن ما يدعم الوجود الزراعي ويعطيه قيمته الفعلية هو العائلة المتوسعة والقائمة على نظام الإرث المتواصل لأن الزراعة تدعو لضرورة تأمين البدائل البشرية والتوسع المتزايد للأرض المزروعة . وبالتالي الحاجة الماسة لقيام الحروب بين الإقطاعيات الزراعية .؟ فقد لعبت الحروب دوراً هاماً في تدمير محيط النشوء الحي وتدمير الحضارات القائمة في التاريخ البشري فالحروب كانت على الدوام هي الحل المناسب للخروج من الأزمات لتصنع أزمات اشد وأكثر خطراً لقد أعاقت الحروب نشوء مفاهيم واكتشافات و أحدثت تدميراً يكاد يكون كاملاً لبعض الثقافات فالحروب هي الطريق السخيف للتخلص من الأزمات وتحقيق المنافع والمكاسب المادية .
لقد تحول دور الإنسان إلى آله ميكانيكية عاملة في المجتمعات المدنية ذات التوسع السكاني الضخم فغيرت طبيعة المهام الملقاة على عاتق الإنسان تجاه مجال النشوء الحي فتزايد التلوث في المدن أضعاف ما هي عليه في القرى والغابات والمناطق القليلة الازدحام .
فانتشار القمامة يؤدي إلى أمراض متنوعة ابتداءً من الطاعون الدملي والديدان الطفيلية والزحار وغيره الكثير .
فالطاعون أنهك الإمبراطورية البيزنطية وساعد على تمزيقها ونهب خيراتها من قبل الهون والسلاف والفرس .
فالازدهار المتواصل للحياة المدنية ضيع الهدف الحقيقي لوجود الإنسان الطبيعي ، لقد وصلت الحياة المدنية إلى نقطة لم تعد تقدم للإنسان ما يساعد على البقاء فالمدينة حاصرت الإنسان في وجوده فغيرت أساليب تعامله وقواعده الشخصية ونظام حياته فطورت نظام الفردية في حياته فتقلصت الا سرة كثيراً واقتصرت على الأب والأم والأولاد ، وفي المجال الاقتصادي تزايدت السرعة في نقل المواد والبضائع فنمت وتطورت الحاجات و أحدثت تغيير في البنية النفسية والاجتماعية وتزايد التوسع في المعرفة وتطور التكنولوجيا وزيادة استهلاك الطاقة وسرعة تعميم البضائع والاعتماد على العمل الآلي والأتوماتيكي ونظام المراقبة والتشغيل المبرمج حفظ الجهد الإنساني من الضياع وغير مجراه نحو ابتكار أنشطة متنوعة وبالغة التعقيد .
إضافة إلى كل ذلك النمو المذهل لوسائل الاتصال وتعقد الروابط الاجتماعية والثقافية وسرعة تغيير المفاهيم والانزلاق في متاهات السوق ودخول القيم الإنسانية في نظام السلعة فكل شيء اصبح معداً للبيع بما في ذلك القيم الأخلاقية . فتراكم الابتكارات والاختراعات وتزايد المطالب المادية والسرعة العشوائية في الحصول على النقد وضعف المقدرة على مواكبة التطورات التكنولوجية زادت حدة الشعور بالانعزال والانهيار وغيرت نظام التكيف بحيث لم يستطع الإنسان الحفاظ على ذاته من الذوبان في عالم الاستهلاك النشيط .
إن التفاعل بين الحواس الإدراكية والعالم الخارجي مبني على السعة التي تستطيع أن تطبع فيها هذه الحواس في الذاكرة الإنسانية فلا بد للمصاب بأمراض ناتجة عن التلوث أن يحول اهتمامه نحو كيفية القضاء والتخلص من التلوث الناتج عن الاستهتار البشري بالقيم الطبيعية .
أما الإنسان الساكن وسط غابة يتجلى اهتمامه في إقامة مسكن آمن من الأخطار والإنسان المدرك لأهمية الوجود الإنساني يتجلى اهتمامه في الوصول إلى افضل الطرق القادر على المحافظة على هذا الوجود وتأمين استمرار يته وتفاعله المتفق مع تطور الحياة وإلغاء الحروب .
إن الطاقة العقلية قادرة على إدراك المستجدات والمتغيرات خارج إطار نظامها كما أنها قادرة على إحداث مدركات جديدة حول المتغيرات في العالم وإن الطاقة الخارقة لبعض العقول ناتجة عن بذل طاقة لا معقولة وجهد شاق لإخراج مواقف محيرة لدى الآخرين لأن الوعي نظام متولد من الخبرة مضافاً إليه الطاقة الكاملة والمتجددة في العقل لأنه منظومة معرفية لمعرفة المدركات وغير المدركات والطاقة العقلية القابلة للقفز فوق كل الحواجز الموضوعة . في مجال النشوء الحي .
فالنوم حالة تفاعلية مع الذات والعالم الخارجي قادرة على تنشيط الوعي وتعزيز الجسم بالطاقة الحركية إنها عملية حيوية تكيف الجسم مع حركة الكون ونظام الحياة .
فالنشاط الفيزيولوجي والسيكيولوجي مرتبط عضوياً بالنظام البيئي ومجال النشوء الحي والمجال الكوني في حركته الواسعة .
لأن الدورة الحيوية البيولوجية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالكون من حولها فالقدرة على النشاط والميل نحو الخمول يتبعان لنظام الشروق الشمسي والغروب الشمسي و ان تغيير مواعيد النوم بإحداث إضاءة اصطناعية والعمل في النظام الليلي يقلل من فاعلية الذات ويظهر المزاج المطرب في النفس البشرية .
فالذاكرة جهاز عجيب يقوم بتسجيل كل ما هو ضروري ويضعه في سلم الأولويات وفقاً لحاجتها وانسجامها مع الواقع الحياتي لأنها وسيلة للتفاعل الدائم مع الحياة وتحقيق النجاح في الوسط الاجتماعي والطبيعي لأنها تساعد الإنسان على البناء من نقطة التوقف المعرفية . وهي تعطي التعليم ضرورة حيوية دائمة وتساعد على استمرار الإنسان حياً في وسط اجتماعي متداخل بمنظومة من العلاقات بحيث يظهر التعلم كضرورة أساسية لاستيعاب كل ما هو جديد في وجود العالم وينشأ التفكير الخلاّق لإبداع أساليب قادرة على تحسين علاقة الإنسان مع الوجود ومع أي وجود متعلق بالحياة الإنسانية . وكيفية الاستفادة من كل الطاقات بشكل رشيد وعقلاني .
فالمجتمع هو الكيان المجازي للتعبير عن نمطية الحياة المتعايش ضمنها إنه التفاعل الواقع بين أفراده وبين البيئة الطبيعية ، فالسلوك الاجتماعي هو تعبير معمم على سلوك أفراده فالمجتمع الفاسد يعطي انطباعاً بأن أكثرية عناصره فاسدين والمجتمع المخرب والمؤذي للبيئة يؤكد بأن أكثرية عناصره متعاونون ضد نظام النشوء الحي ، كما أن رفاه المجتمع مرتبط بتعاون أبناءه عندما يكون مستقلاً وغير مرتبط بالسيطرة والإخضاع إنه بفتح الحياة لكل الطاقات المبدعة في وجوده .
فالأهداف الاجتماعية تجاه البيئة هي المحدد الرئيسي للعلاقة بينهما فالمجتمع المؤسس على احترام الشجرة والغطاء النباتي يعيش أبناءه في أجواء العطاء المتبادل وتكون الحياة أكثر تنوعاً واكثر اهتماماً بالوجود الحي لأن كل ما في الحياة من تنوع تعبر في ذاتها عن إخلاصها الدائم للإنسانية .



المرجع المعتمد :
بنو الإنسان تأليف يترفارف - المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - الكويت – مجلة عالم المعرفة – العدد ( 67 )

ليست هناك تعليقات: